فصل: ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين

دخول المتوكل دمشق في صفر وعزم على المقام بها ونقل دواوين الملك إليها فأمر بالبناء بها فتحرك الأتراك في أرزاقهم وعيالاتهم فأمر لهم بما أرضاهم ‏.‏

ثم استوبأ البلد وذلك أن الهواء فيها بارد ندي والماء ثقيل والريح تهب فيها مع العصر ولا يزال يشتد حتى يمضي عامة الليل وهي كثيرة البراغيث ثم غلت بها الأسعار وحالت الثلوج بين السابلة والميرة فأقام شهرين وأيامًا ورجع إلى سامراء فدخلها يوم الاثنين لسبع بقين من جمادى الآخرة ‏.‏

وفيها‏:‏ وجه المتوكل بغا من دمشق إلى غزو الروم في ربيع الآخر فغزا الصائفة وافتتح صملة‏.‏

وفيها‏:‏ أتي المتوكل بحربة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم تسمى العنزة ‏.‏

ذكر أنها كانت للنجاشي ملك الحبشة فوهبها للزبير بن العوام فأهداها الزبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين وتركز بين يديه في الفضاء فيصلي إليها فأمر المتوكل صاحب الشرطة بحملها بين يديه وأمر خليفة صاحب الشرطة أن يحمل حربته ‏.‏

وفيها‏:‏ غضب المتوكل على بختيشوع وقبض ماله ونفاه إلى البحرين لأجل سعاية كانت معه

وفيها‏:‏ اتفق عيد الأضحى وعيد الشعانين وعيد الفطر لليهود ‏.‏

إبراهيم بن عبد الله بن حاتم أبو إسحاق الهروي سمع عبد الرحمن بن أبي الزناد وعبد العزيز الدراوردي وإسماعيل بن علية وهشيم بن بشير وغيرهم روى عنه ابن أبي الدنيا والمعمري وجعفر الفريابي قال الدارقطني‏:‏ هو ثقة ثبت وقال إبراهيم الحربي‏:‏ كان حافظًا متقنًا ثقة ما كان ها هنا أحد مثله وكان يديم الصيام إلى أن يأتيه أحد يدعوه إلى طعامه فيفطره وكان أكولًا يقال‏:‏ إنه كان يأكل حملًا وحده توفي في رمضان هذه السنة بسامراء أحمد بن منيع بن عبد الرحمن أبو جعفر الأصم مروزي الأصل وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه ولد سنة ستين ومائة ‏.‏

وسمع من هشيم بن بشير وعبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة ويزيد بن هارون وغيرهم ‏.‏

وكان ثقة روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم وكان يختم القرآن في كل ثلاث‏.‏

إسحاق بن موسى بن عبد الله أبو موسى الأنصاري الخطمي مديني الأصل كوفي الدار حدث عن سفيان بن عيينة وكان ثقة توفي بحمص في هذه السنة الحسن بن حريث بن الحسن بن ثابت أبو عمار مولى عمران بن حصين مروزي قدم بغداد وحدث بها عن عبد العزيز بن أبي حازم وابن المبارك وروى عنه‏:‏ البخاري ومسلم والبغوي وابن صاعد قال النسائي‏:‏ هو ثقة ‏.‏

توفي في منصرفه من الحج في هذه السنة حماد بن إسماعيل بن إبراهيم الأسدي المعروف بابن علية حدث عن أبيه ووهب بن جرير وكان ثقة توفي في هذه السنة ‏.‏

سعيد بن يعقوب أبو بكر الطالقاني سمع حماد بن زيد وإسماعيل بن عياش وابن المبارك وهشيمًا والنضر بن شميل روى عنه‏:‏ أبو زرعة وقال‏:‏ كان ثقة وكان يدخل إلى أحمد بن حنبل فيذاكره الحديث توفي في عيسى بن المساور الجوهري حدث عن الوليد بن مسلم وسويد بن عبد العزيز روى عنه‏:‏ القاسم بن زكريا المطرز وكان ثقة توفي في هذه السنة ‏.‏

علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مخادش أبو الحسن السعدي ولد سنة أربع وخمسين ومائة

وسمع إسماعيل بن جعفر وفرج بن فضالة وشريك بن عبد الله وعلي بن مسهر وسفيان بن عيينة وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم في الصحيحين وكان يسكن بغداد قديمًا ثم رحل إلى نيسابور ثم عاد إلى مرو فنزلها ونسب إليها وانتشر حديثه بها وبها مات في جمادى الأولى من هذه السنة وكان فاضلًا حافظًا متقنًا ثبتًا ثقة ‏.‏

حدثنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن محمد الأصبهاني قال‏:‏ سمعت أبا النضر محمد بن أحمد بن العباس يقول‏:‏ سمعت القاسم بن أبي صالح يقول‏:‏ سمعت أبا حاتم الرازي يقول‏:‏ سمعت ابن أورمة الأصبهاني الحافظ يقول‏:‏ كتب علي بن أحن إلى عتابك غير أني أجلك عن عتاب في كتاب ونحن إذا التقينا قبل موت شفيت عليل صدري من عتاب وإن سبقت بنا ذات المنايا فكم من عاتب تحت التراب محمد بن أبي العتاهية أبو عبد الله الشاعر كان يلقب عتاهية وكان ناسكًا وحذا حذو أبيه في الزهد وحدث عن هشام بن محمد الكلبي روى عنه‏:‏ ابن أبي الدنيا وغيره ‏.‏

ومن شعره‏:‏ قد أفلح الساكت الصموت كلام راعي الكلام قوت ما كل نطق له جواب جواب ما تكره السكوت يا عجبي لامرئ ظلوم مستيقن أنه يموت أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني أبو القاسم الأزهري قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال‏:‏ حدثنا ابن أبي الدنيا قال‏:‏ أنشدني ابن أبي العتاهية‏:‏ لربما غوفض ذي شرة أصح ما كان ولم يسقم محمد بن إسحاق بن حرب أبو عبد الله اللؤلؤي السهمي مولاهم من أهل بلخ ويعرف بابن أبي يعقوب كان حافظًا للعلوم من الحديث والأدب ‏.‏

وحدث عن‏:‏ مالك وخارجة بن مصعب وبشر بن السري وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره إلا أنه لم يكن يوثق في علمه وكان قتيبة يذكره بأسوأ الذكر ويقول‏:‏ حدثت أنه شتم أم المؤمنين وذاكر ابن الشاذكوني بأشياء فقال ابن الشاذكوني‏:‏ ليس من هذا شيء توفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن أبان بن وزير أبو بكر البلخي مستملي وكيع قدم بغداد وحدث بها عن‏:‏ أبي بكر بن عياش وسفيان بن عيينة وعبد الله بن إدريس ووكيع وغيرهم وروى عنه‏:‏ البخاري في صحيحه وتوفي في محرم هذه السنة ‏.‏

محمد بن أسد أبو عبد الله الخراساني يعرف بالخشني نسب إلى قرية من قرى أسفرايين ‏.‏

روى عنه خلق كثير إلا أن إبراهيم الحربي سماه‏:‏ أحمد وكان ثقة له فهم ‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن المتوكل أمر ببناء المدينة التي بناها بالماحوزة فأقطع أصحابه وقواده فيها وجد في بنائها وسماها الجعفرية أنفق عليها ألفي ألف دينار وبنى بها قصرًا سماه اللؤلؤة لم ير في علوه مثل وأمر بحفر نهر يأخذه من خمس فراسخ قدر له مائتي ألف دينار وأقام فيه اثني عشر ألف رجل يعملون فقتل المتوكل وخربت الجعفرية ولم يتم النهر ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ بعث ملك الروم ميخائيل يسأل المفاداة بمن عنده وبعث مع الرسول سبعة وسبعين أسيرًا من المسلمين أهداهم إلى المتوكل وكان قدومهم لخمس بقين من صفر ولم يقع الفداء إلا في سنة ست وأربعين ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ زلزلت بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون والمنازل والقناطر فأمر المتوكل بتفرقة ثلاثة آلاف ألف درهم في الذين أصيبوا بمنازلهم وفي شوال‏:‏ كانت زلزلة ورجفة بأنطاكية فقتلت خلقًا وسقط منها ألف وخمسمائة دار وسقط من سورها نيف وتسعون برجًا وسمعوا أصواتًا هائلة لا يحسنون وصفها من كوى المنازل وهرب أهلها إلى الصحارى وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر فهاج البحر فارتفع منه دخان أسود مظلم وسمع أهل تنيس من مصر ضجة هائلة فمات منها خلق كثير ‏.‏

وزلزلت‏:‏ بالس والرقة وحران ورأس العين وحمص ودمشق والرها وطرطوس والمصيصة وأدنة وسواحل الشام ورجفت اللاذقية فما بقي فيها منزل ولا أفلت من أهلها إلا اليسير وذهبت جبلة بأهلها ‏.‏

وفيها‏:‏ غارت مشاش عين مكة حتى بلغت القربة فيها ثمانين درهمًا فبعثت أم المتوكل فأنفقت عليها ‏.‏

وفيها‏:‏ هلك نجاح بن سلمة وذلك أنه كان يتتبع العمال وكتب رقعة إلى المتوكل في الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك أنهما قد خانا وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم فقال له المتوكل‏:‏ بكر إلي غدًا حتى أدفعهما إليك فغدا وقد رتب أصحابه وقال‏:‏ يا فلان خذ أنت الحسن ويا فلان خذ أنت موسى وكانا منقطعين إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل فأمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل فلقيه الوزير وقال‏:‏ أنا أصلح ما بينك وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شاربًا فتكلمت بأشياء فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة فأدخلها على المتوكل وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏:‏ قد رجع نجاح عما قال وهذه رقعة موسى والحسن يتقابلان بما كتبا ويأخذان منه قريبًا مما ضمن عنهما ‏.‏

فقال‏:‏ ادفعه إليهما فأخذ وابناه وكاتبه وأصحابه فأقر نجاح وابنه بنحو مائة وأربعين ألف دينار وضرب فمات وضرب أولاده وأصحابه فأقروا بنحو تسعين ألف دينار فقال الشاعر‏:‏ ما كان يخشى نجاح صولة الزمن حتى أديل لموسى منه والحسن غدا على نعم الأحرار يسلبها فراح صفرًا سليب المال والبدن وفيها‏:‏ أغارت الروم على سميساط فقتلوا وسبوا نحوًا من خمسمائة ‏.‏

وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام وهو والي مكة ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

واسم أبي إسرائيل‏:‏ إبراهيم بن كامجر

وكنية إسحاق‏:‏ أبو يعقوب مروزي الأصل ولد سنة خمسين ومائة وقيل‏:‏ إحدى وخمسين وسمع من حماد بن زيد وابن عيينة وغيرهما ‏.‏

روى عنه‏:‏ البخاري وكان حافظًا ثقة مأمونًا إلا أنه كان يقول‏:‏ القرآن كلام الله ويقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق وكان يقول‏:‏ لا أقول هذا على الشك ولكن أسكت كما سكت القوم قبلي فذموه بسكوته ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن محمد بن الفضل بن الزيات قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن أبي سلم الرازي قال‏:‏ حدثنا حفص بن معمر المهرواني قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم واقفًا على إسحاق بن أبي إسرائيل وهو يقول له‏:‏ عنيتني إليك من ألف وخمسين فرسخًا أنت الذي تقف في القرآن أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الحسين بن علي الصيمري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن المدبر الكاتب قال‏:‏ كنا عند المتوكل فدخل عليه إسحاق بن أبي إسرائيل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين حدثنا الفضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن الحسن أنه قال‏:‏ المصافحة تزيد في المودة فمد المتوكل يده حتى صافحه توفي إسحاق بسامراء في شعبان هذه السنة ‏.‏

الحسن بن علي أبو محمد المعروف بالحلواني سمع يزيد بن هارون وعبد الرزاق وابن نمير وأبا عاصم النبيل وعفان بن مسلم وغيرهم روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم والحربي وأبو داود ‏.‏

وكان ثقة حافظًا متقنًا ثبتًا وقال بالوقف في القرآن مرة فأعرض عنه الناس فقال‏:‏ القرآن كلام الله غير مخلوق سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة أبو عبد الله العنبري البصري نزل بغداد وولي بها قضاء الرصافة في سنة سبع وثلاثين وحدث عن أبيه وعن ابن مهدي ويحيى بن سعيد وغيرهم روى عنه‏:‏ عبد الله بن أحمد وابن صاعد وغيرهما وكان فقيهًا فصيحًا أديبًا شاعرًا ثقة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمر بن روح قال‏:‏ أخبرنا المعافى بن زكريا قال‏:‏ أخبرنا المظفر بن يحيى بن أحمد قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثني الجرمي قال‏:‏ دخلت حمامًا في درب الثلج فإذا سوار بن عبد الله القاضي في البيت الداخل وقد استلقى وعليه المئزر فجلست بقربه فساكتني ساعة ثم قال‏:‏ قد أحشمتني يا رجل فإما أن تخرج أو أخرج ‏.‏

فقلت‏:‏ جئت أسألك عن مسألة ‏.‏

قال‏:‏ ليس هذا موضع المسائل فقلت‏:‏ إنها من مسائل الحمام فضحك وقال‏:‏ هاتها ‏.‏

فقلت‏:‏ من الذي يقول‏:‏ سلبت عظامي لحمها فتركتها عواري مما نالها تتكسر وأخليت منها مخها فكأنها قوارير في أجوافها الريح تصفر إذا سمعت ذكر الفراق تراعدت مفاصلها خوفًا لما تتنظر خذي بيدي ثم ارفعي الثوب تنظري بلى جسدي لكنني أتستر فقال سوار‏:‏ أنا والله قلتها قلت‏:‏ إنه يغنى بها ويجود فقال‏:‏ لو شهد عندي الذي يغني بها لأجزت شهادته ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي الزينبي أخبرنا أحمد بن الحسين بن الفضل قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب قال‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني كان حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان والغالب عليه فحبس سوار القاضي رجلًا فيما يحبس فيه القضاة فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس فجاء خصمه إلى سوار فأخبره أن حمادًا قد أخرج الرجل من الحبس فركب سوار حتى دخل على محمد بن سليمان وهو قاعد للناس والناس على مراتبهم فجلس حيث يراه محمد ثم دعا قائدًا من قواده فقال‏:‏ أسامع أنت مطيع قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ اجلس ها هنا فأقعده عن يمينه ثم دعا آخر من نظرائه فقال له كما قال للأول ‏.‏

وأجابه بمثل ما أجاب الأول فأقعده مع صاحبه حتى فعل ذلك بجماعة من قواد محمد ثم قال‏:‏ انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس فنظروا إلى محمد بن سليمان فأشار عليهم أن افعلوا ما أمركم به فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس وانصرف سوار إلى منزله فلما كان العشي أراد محمد بن سليمان الركوب إليه فجاءته الرسل فقالوا‏:‏ إن الأمير قد عزم على الركوب إليك ‏.‏

فقال‏:‏ لا‏:‏ نحن أولى بالركوب إلى الأمير فركب إليه فقال‏:‏ كنت على المجيء إليه يا أبا عبد الله فقال‏:‏ ما كنت لأجشم الأمير ذلك وبلغني ما يصنع هذا الجاهل حماد ‏.‏

قال‏:‏ هو ما بلغ الأمير ‏.‏

قال‏:‏ فأحب أن تهب لي ذنبه ‏.‏

قال‏:‏ أفعل أيها الأمير إن رد الرجل إلى الحبس ‏.‏

قال‏:‏ نعم بالصغر له والقماء فوجه الرجل فحبسه وأخرج حمادًا وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد فكتب إلى سوار يجزيه خيرًا ويحمده على ما صنع وكتب إلى محمد بكتاب غليظ يذكر فيه حمادًا ويقول‏:‏ الرافضي ابن الرافضي والله لولا أن الوعيد أمام العقوبة ما أدبته إلا بالسيف ليكون عظة لغيره ونكالًا يفتات على قاضي المسلمين في رأيه ويركب هواه لموضعه منك ويعترض في الأحكام استهانة بأمر الله تعالى وإقدامًا على أمير المؤمنين وما ذاك إلا بك وبما أرخيت من رسنه وبالله لئن عاد إلى مثلها لتجدني أغضب لدين الله وأنتقم لأوليائه من أعدائه ‏.‏

توفي سوار في شوال هذه السنة بعد أن كف بصره عبيد الله بن إدريس النرسي مولى بني ضبة

سكن بغداد وحدث بها عن ابن المبارك وإسماعيل بن عياش روى عنه‏:‏ الدوري وكان ثقة توفي في هذه السنة عسكر بن الحصين أبو تراب النخشبي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن علي الأزجي قال‏:‏ حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني قال‏:‏ حدثنا محمد بن داود قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول‏:‏ قدم أبو تراب النخشبي مرة إلى مكة فقلت‏:‏ يا أستاذ أين أكلت قال‏:‏ جئت بفضلك أكلت أكلة بالبصرة وأكلة بالنباج وأكلة عندكم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح وعمر بن الحسين بن إبراهيم الخفاف قالا‏:‏ أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال‏:‏ حدثنا أبو الطيب أحمد بن جعفر الحذاء قال‏:‏ سمعت أبا علي الحسين بن خيران الفقيه يقول‏:‏ مر أبو تراب النخشبي بمزين فقال له‏:‏ تحلق رأسي لله عز وجل‏:‏ فقال له‏:‏ اجلس

فجلس فبينما يحلق رأسه مر به أمير من أهل بلده فسأل حاشيته فقال لهم‏:‏ أليس هذا أبو تراب قالوا‏:‏ نعم‏!‏ فقال‏:‏ إيش معكم من الدنانير فقال له الرجل من خاصته‏:‏ معي خريطة فيها ألف دينار فقال له‏:‏ إذا قام أعطها له واعتذر إليه وقل له‏:‏ لم يكن معنا غير هذه فجاء الغلام إليه فقال له‏:‏ إن الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك‏:‏ ما حضر معنا غير هذه الدنانير فقال له‏:‏ ادفعها إلى المزين فقال له المزين‏:‏ إيش أعمل بها فقال‏:‏ خذها فقال‏:‏ والله لو أنها ألفي دينار ما أخذتها‏!‏ فقال له أبو تراب‏:‏ عد إليه وقل له‏:‏ إن المزين ما أخذها خذها أنت فاصرفها في مهماتك ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي المحتسب أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ أن أبا تراب توفي في البادية قيل‏:‏ نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين ‏.‏

أبو سعيد القرشي الدمشقي يعرف بدحيم سمع الوليد بن مسلم وخلقًا كثيرًا روى عنه‏:‏ البخاري في صحيحه وأبو زرعة وأبو حاتم وكان ثقة ‏.‏

ولي قضاء الرملة وقدم بغداد فحدث بها فروى عنه‏:‏ عباس الدوري والحربي وكان أحمد ويحيى يجلسان إليه بين يديه وتوفي في رمضان هذه السنة بالرملة ‏.‏

الفضيل بن الصباح أبو العباس السمسار سمع هشيمًا وابن عيينة روى عنه‏:‏ البغوي وكان ثقة من خيار عباد الله توفي في رجب هذه السنة محمد بن بكير بن واصل أبو الحسن الحضرمي

سمع شريك بن عبد الله النخعي وخالد بن عبد الله الواسطي وغيرهما ‏.‏

روى عنه‏:‏ إبراهيم الحربي وغيره وكان ثقة صدوقًا محمد بن حبيب صاحب كتاب المحبر ‏.‏

ويقال‏:‏ إن حبيبًا اسم أمه لا اسم أبيه وكان عالمًا بالنسب وأخبار العرب موثقًا في روايته ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي قال‏:‏ حدثنا علي بن بقا الوراق قال‏:‏ حدثنا عبد الغني بن سعيد الأزدي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدثنا أبو طاهر القاضي قال‏:‏ محمد بن حبيب صاحب كتاب المحبر وحبيب أمه وهو ولد ملاعنة ‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي الحافظ حدثنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا محمد بن الحسن بن مقسم قال‏:‏ حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب قال‏:‏ حضرت مجلس ابن حبيب فلم يمل فقلت‏:‏ ويحك أمل ما لك فلم يفعل حتى قمت وكان والله حافظًا صدوقًا وكان يعقوب أعلم منه وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه وتوفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة في هذه السنة بسامراء‏.‏

محمد بن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري شيخ عصره بخراسان رحل إلى البلاد ‏.‏

وسمع سفيان بن عيينة ومعن بن عيسى وعبد الرزاق ووكيع بن الجراح وأبا معاوية ويزيد بن هارون والنضر بن شميل وغيرهم ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن علي بن خلف أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال‏:‏ سمعت أبا الحسين أحمد بن النضر الشافعي يقول‏:‏ سمعت جعفر بن أحمد الحافظ يقول‏:‏ كنا في مجلس محمد بن رافع في منزله قعودًا تحت شجرة وهو مستند إليها يقرأ علينا وكان إذا رفع أحد في المجلس صوته أو تبسم قام فلم يقدر أحد منا على مراجعته ‏.‏

قال‏:‏ فوقع ذرق طائر على يدي وقلمي وكتابي فضحك خادم من خدم طاهر بن عبد الله وأولاده معنا في المجلس فنظر ليه محمد بن رافع فوضع الكتاب فانتهى ذلك الخبر إلى السلطان فجاءني الخادم ومعه حمال على ظهره ثلاث لفاف سامان فقال‏:‏ والله ما كنت أملك في الوقت شيئًا أحمله إليك غير هذا وهو هدية لك فإن سئلت عني فقل لا أدري من تبسم فقلت‏:‏ أفعل فلما كان الغداة حملت إلى باب السلطان فبرأت الخادم مما قيل فيه وبعت السامان بثلاثين دينارًا واستعنت به في الخروج إلى العراق وبارك الله لي فيه ولقيت بالحصري وما بعت الحصر ولا باعه أحد من آبائي ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن سعيد المذكر يقول‏:‏ سمعت زكريا بن دلويه يقول‏:‏ بعث طاهر بن عبد الله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم على يد رسوله فدخل عليه بعد صلاة العصر وهو يأكل الخبز مع الفجل فوضع الكيس بين يديه فقال‏:‏ بعث الأمير طاهر بهذا المال إليك لتنفقه على أهلك فقال‏:‏ خذ خذ لا أحتاج إليه فإن الشمس قد طلعت وبلغت رؤوس الحيطان إنما تغرب بعد ساعة وقد جاوزت الثمانين إلى متى أعيش‏!‏ فرد المال فلم يقبله فأخذ الرسول المال وذهب فدخل عليه ابنه في الوقت فقال‏:‏ يا أبه ليس لنا الليلة خبز قال‏:‏ فبعث ببعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى حضرة صاحبه فزعًا من أن يذهب ابنه خلف الرسول فيأخذ المال ‏.‏

قال زكريا‏:‏ وربما كان يخرج إلينا محمد بن رافع في الشتاء الشاتي وقد لبس لحافه الذي يلبسه بالليل ‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وقد دخلت عليه داره وتبركت بالصلاة في بيته واستندت إلى الصنوبرة التي كان يستند إليها ‏.‏

وتوفي في هذه السنة وصلى عليه محمد بن يحيى ورؤي في المنام فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ بشرني بالروح والراحة محمد بن القاسم أبو الحسن المعروف بماني الموسوس ‏.‏

من أهل مصر قدم بغداد في أيام المتوكل وله شعر مستحسن ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن عبد الله النيسابوري قال‏:‏ أخبرنا حمزة بن علي الأشروسني حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال‏:‏ أنشدني عبد العزيز بن محمد بن الفهري لماني الموسوس‏:‏ زعموا أن من تشاغل باللذا ت عمن يحبه يتسلى كذبوا والذي تساق له البد ن ومن عاذ بالطواف وصلى أن نار الهوى أحر من الجم ر على قلب عاشق يتقلى قال ابن حبيب‏:‏ وأنشدنا يحيى بن المتمم الدوسي لماني‏:‏ شادن وجهه من البدر أوضا بعضه في الكمال يعشق بعضا بأبي من يزرفن الصدغ بالعن بر في خده المورد عرضا إن للورد مثل ورد بخدي ك إذا ما قطفته صار غضا نجاح بن سلمة قد ذكرنا كيفية هلاكه هلال الرأي كان فقيهًا كبيرًا من أهل الرأي توفي في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن علي بن يحيى الأرمني غزا الصائفة فأخرج عشرة آلاف رأس من الدواب والرمك وغزا عمر بن عبد الله الأقطع الصائفة فأخرج سبعة آلاف رأس ‏.‏

وغزا الفضل بن قارن في عشرين مركبًا فافتتح حصن أنطاكية ‏.‏

وفيها‏:‏ تحول المتوكل إلى المدينة التي بناها بالماحوزة فنزلها يوم عاشوراء وهو البناء الذي يسمى الحوزي ووهب لمن تولى البناء ألفي ألف درهم ‏.‏

وفيها‏:‏ كان الفداء للمسلمين في صفر وقيل في جمادى الأولى على يد علي بن يحيى الأرمني ففودي بألفين وثلاثمائة وسبعة وستين نفسًا ‏.‏

وفيها‏:‏ مصر أهل بغداد في شعبان ورمضان واحدًا وعشرين يومًا حتى نبت العشب فوق الأجاجير ‏.‏

وصلى المتوكل صلاة الفطر بالجعفرية وصلى عبد الصمد بن موسى في مسجد جامعها ولم يصل بسامراء أحد وحج بالناس في هذه السنة محمد بن سليمان التنوخي الزينبي وحج فيها محمد بن عبد الله بن طاهر فولي أعمال الموسم وحمل معه ثلاثمائة ألف دينار‏:‏ مائة ألف لأهل مكة ومائة ألف لأهل المدينة ومائة ألف لما أمرت به أم المتوكل من إجراء الماء من عرفات إلى مكة وأمر المتوكل أن يقام على المشعر الحرام وسائر المشاعر الشمع مكان الزيت والنفط‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن إبراهيم بن كثير بن أفلح أبو عبد الله العبدي المعروف بالدورقي أخو يعقوب وفي تسميته بالدورقي قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه كان ناسكًا وكان من تنسك في ذلك الزمان يسمى دورقيًا والثاني‏:‏ أنه كان يلبس القلانس الطوال التي تسمى دورقية ‏.‏

سمع أحمد بن إسماعيل بن علية ويزيد بن زريع وهشيم وابن مهدي وخلقًا كثيرًا روى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج وابن أبي الدنيا وغيرهما وكان ثقة صدوقًا توفي بالعسكر في شعبان هذه السنة‏.‏

كان يقول بمذهب أهل الرأي ثم تركه وكان أحمد بن حنبل يكاتبه توفي بدهقان في هذه السنة‏.‏

حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهيب أبو عمرو الأزدي الكوفي الضرير سمع إسماعيل بن جعفر وأبا نميلة يحيى بن واضح وعفان روى عنه‏:‏ أبو بكر بن أبي الدنيا قال أبو حاتم الرازي‏:‏ هو صدوق توفي في شوال هذه السنة‏.‏

دعبل الخزاعي بن علي بن تميم بن زيد بن سليمان بن نهشل بن خداش أبو علي الخزاعي وقيل‏:‏ أبو جعفر وقيل‏:‏ اسمه عبد الرحمن وقيل‏:‏ محمد لقب دعبلًا قال أبو عمر الشيباني‏:‏ الدعبل البعير المسن وقال أبو زيد الأنصاري‏:‏ الدعبل الناقة التي معها أولادها‏.‏

وقيل‏:‏ إنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه وأرادت ذعبلًا فقلبت الذال دالًا ‏.‏

ولد سنة ثمان وأربعين ومائة وله شعر مطبوع لكنه كان كثير الهجاء قل أن يسلم منه أحد وكان من الشيعة الغلاة فقال قصيدته المعروفة‏:‏ وقصد بها علي بن موسى الرضى فأعطاه عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه وخلع عليه خلعة من ثيابه أعطاه بها أهل قم ثلاثين ألف درهم فحلف لا يبيعها فقطعوا عليه الطريق وأفسدوها فقال لهم‏:‏ إنها تراد لله تعالى وهي محرمة عليكم فدفعوا إليه ثلاثين ألف درهم فحلف لا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه فأعطوه فكان في أكفانه وكتب هذه القصيدة‏:‏ مدارس آيات على ثوب وأحرم فيه وأمر أن يجعل في أكفانه وكان أكثر زمانه مستترًا لكثرة هجائه وكان يقول‏:‏ أنا أحمل خشبتي منذ خمسين سنة لا أجد أحدًا يصلبني عليها وقدم العراق بالمال الذي أعطاه الرضى فاشترى منه الشيعة كل درهم بعشرة دراهم فصارت معه مائة ألف درهم ‏.‏أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو الطيب الطبري قال‏:‏ حدثني محمد بن يحيى الحنفي قال‏:‏ قال أبو كعب الخزاعي‏:‏ وفد دعبل على عبد الله بن طاهر فلما وصل إليه قام تلقاء وجهه وقال‏:‏ أتيت مستشفعًا بلا نسب إليك لا بحرمة الأدب فاقض ذمامي فإنني رجل غير ملح عليك في الطلب أعجلتنا فأتاك أول برنا قلًا ولو أخرته لم يقلل فخذ القليل وكن كمن لم يقبل ونكون نحن كأننا لم نفعل أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ قال أبو جعفر أحمد بن يعقوب الأصفهاني أنشدنا أبو طالب الدعبلي قال‏:‏ أنشدنا علي بن الجهم وليست له وجعل يعيدها ويستحسنها‏:‏ لما رأت شيئًا يلوح بمفرقي صدت صدود مفارق متجمل فظللت أطلب وصلها بتذلل والشيب يغمزها بأن لا تفعلي قال أبو طالب‏:‏ ومن أحسن ما قيل في مثل هذا المعنى قول جدي‏:‏ لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى أين الشباب وأية سلكا لا أين يطلب ظل بل هلكا لا تأخذي بظلامتي أحدًا طرفي وقلبي في دمي اشتركا توفي دعبل بالطيب في هذه السنة وقد عاش سبعًا وستين سنة ‏.‏

ذو النون المصري ابن إبراهيم أبو الفيض المصري وقيل اسمه‏:‏ ثوبان وذو النون لقب وقيل‏:‏ اسمه الفيض أصله من النوبة من قرية من قرى صعيد مصر يقال لها‏:‏ أخميم فنزل مصر وكان حكيمًا زاهدًا واعظًا وجه إليه المتوكل فحمل إلى حضرته بسامراء حتى رآه وسمع كلامه ثم انحدر إلى بغداد وأقام بها مديدة ثم انحدر إلى مصر وأكثر الأسفار ‏.‏

أسند الحديث عن مالك والليث بن سعد وسفيان بن عيينة والفضيل وغيرهم ‏.‏

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد علي بن أبي صادق قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله بن ماكويه قال‏:‏ حدثنا ابن محمد بن دادويه قال‏:‏ سمعت الحسن بن علويه يقول‏:‏ سمعت يوسف بن الحسين يقول‏:‏ لما استأنست بذي النون المصري قلت‏:‏ أيها الشيخ ما كان بدو شأنك قال‏:‏ كنت شابًا صاحب لهو ولعب ثم تبت وتركت ذاك وخرجت حاجًا إلى بيت الله الحرام ومعي بضيعة فركبت في المركب مع تجار من مصر وركب معنا شاب صبيح الوجه كأن وجهه يشرق فلما توسطنا البحر فقد صاحب المركب كيسًا فيه مال فأمر بحبس المركب ففتش من فيه وأمتعتهم فلما وصلوا إلى الشاب ليفتشوه وثب وثبة من المركب حتى جلس على أمواج البحر وقام له الموج على مثال سرير ونحن ننظر إليه من المركب ثم قال‏:‏ يا مولاي إن هؤلاء اتهموني وإني أقسم يا حبيب قلبي أن تأمر كل دابة من هذا المكان أن تخرج رأسها وفي أفواهها جوهر قال ذو النون‏:‏ فما تم كلامه حتى رأينا دواب البحر أمام المركب وحواليه وقد أخرجت كل رؤوسها وفي فم كل واحدة فيها جوهرة مضيئة تتلألأ ثم وثب الشاب من الموج إلى البحر وجعل يتبختر على متن الماء ويقول‏:‏ إياك نعبد وإياك نستعين حتى غاب عن بصري فهذا هو الذي حملني على السياحة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو سعد الماليني إجازة قال‏:‏ حدثنا الحسين بن رشيق حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الأخميمي قال‏:‏ سمعت حيان بن أحمد السهمي يقول‏:‏ مات ذو النون المصري بالجيزة وحمل في مركب حتى عبر به إلى الفسطاط خوفًا عليه من زحمة الناس على الجسر ودفن في جانب مقابر أهل المعافر وذلك في يوم الاثنين لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين وكان والده يقال له‏:‏ إبراهيم مولى لإسحاق بن محمد الأنصاري وكان له أربع بنين ذو النون وذو الكفل والهميسع وعبد الباري ولم يكن أحد منهم على طريقة ذي النون وقيل‏:‏ توفي ذو النون سنة خمس وقيل‏:‏ سنة ثمان ‏.‏

سليمان بن أبي شيخ واسم أبي شيخ‏:‏ منصور بن سليمان يكنى أبا أيوب الواسطي ولد سنة إحدى وخمسين ومائة وسكن بغداد في بركة زلزل وحدث عن‏:‏ سفيان بن عيينة وعبد الله بن إدريس وكان عالمًا بالنسب والتواريخ وأيام الناس وأخبارهم وكان صدوقًا ثقة روى عنه‏:‏ أحمد أبي خيثمة وتوفي في هذه السنة وكان عمره خمسًا وتسعين سنة شعيب بن سهل بن كثير أبو صالح الرازي ويعرف بشعبوبة حدث عن الصباح بن محارب وولاه المعتصم القضاء وجعل ليه الصلاة بالناس في مسجد الرصافة يوم الجمع والأعياد وعلى قضاء القضاة يومئذ أحمد بن أبي دؤاد وكان شعيب قد كتب على مسجده‏:‏ القرآن مخلوق وعزل عن القضاء سنة ثمان وعشرين ومائتين وتوفي في هذه السنة شجاع أم المتوكل قال ابن عرفة‏:‏ كانت من سروات النساء سخاء وكرمًا‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا محفوظ بن أحمد الفقيه قال‏:‏ أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال‏:‏ حدثنا المعافى بن زكريا حدثنا محمد بن عمر بن علي الكاتب قال‏:‏ حدثني حفص بن محمد الكاتب قال‏:‏ حدثني أحمد بن الخصيب قبل وزارته قال‏:‏ كنت كاتبًا للسيدة شجاع أم المتوكل فإني ذات يوم قاعد في مجلسي في ديواني إذ خرج إلي خادم ومعه كيس فقال لي‏:‏ يا أحمد إن السيدة أم أمير المؤمنين تقرئك السلام وتقول لك‏:‏ هذه ألف دينار من طيب مالي خذها وادفعها إلى قوم مستحقين تكتب لي أنسابهم وأسماءهم ومنازلهم وكلما جاءنا من هذه الناحية شيء صرفناه إليهم فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي ووجهت خلف من أثق به فعرفتهم ما أمرت به وسألتهم أن يسموا لي من يعرفون من أهل الستور والحاجة فأسموا لي جماعة ففرقت فيهم ثلاث مائة دينار وجاء الليل وبقية المال بين يدي لا أبقيت مستحقًا وأنا أفكر في سامراء وبعد أقطارها وتكافؤ أهلها ليس بها مستحق فمضى من الليل ساعة وبين يدي بعض حرمي وغلقت الدروب وطاف العسس وأنا مفكر في أمر الدنانير إذ سمعت باب الدرب يدق وسمعت البواب يكلم رجلًا من ورائه فقلت لبعض من بين يدي‏:‏ اعرف الخبر فعاد إلي وقال لي‏:‏ بالباب فلان بن فلان العلوي يسأل الإذن عليك ‏.‏

فقلت‏:‏ مره بالدخول وقلت لمن بين يدي من الحرم‏:‏ كونوا وراء هذا الستر فما قصدنا هذا الرجل في هذا الوقت إلا لحاجة فلما دخل سلم وجلس وقال لي‏:‏ طرقني في هذا الوقت طارق لرسول الله صلى الله عليه وسلم به اتصال والله ما عندنا ولا أعددنا ما يعد الناس فلم يكن في جواري من أفزع إليه غيرك قال‏:‏ فدفعت إليه من الدنانير دينارًا فشكر وانصرف ‏.‏

قال‏:‏ فخرجت ربة المنزل فقالت‏:‏ يا هذا تدفع إليك السيدة ألف دينار لتدفعها إلى مستحق فترى من أحق من ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما شكاه إليك قلت لها‏:‏ إيش السبيل قالت‏:‏ تدفع الكيس له ‏.‏

فقلت‏:‏ يا غلام رده ‏.‏

فرده فحدثته بالحديث ودفعت الكيس إليه فأخذه وشكر وانصرف فلما ولى عني جاءني إبليس فقال‏:‏ المتوكل وانحرافه عن أهل البيت يدفع إليك ألف دينار حتى تدفعها إلى مستحقها وتكتب أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم فبأي شيء تحتج عليه وقد دفعت إلى علوي سبعمائة دينار وقلت لربة المنزل‏:‏ أوقعتيني فيما أكره فإما سبعمائة دينار وإما زوال النعمة وعرفتها ما خطر بقلبي فقالت‏:‏ اتكل على جدهم فقلت‏:‏ دعي هذا عنك فقالت‏:‏ تتكل على جدهم فما زالت تردد هذا القول حتى سكت وقمت إلى فراشي فما استثقلت نومًا إلا وصوت بالباب فقلت لبعض من يقرب مني‏:‏ من على الباب فمضى وعاد وقال‏:‏ رسول السيدة يأمرك بالركوب إليها الساعة فخرجت إلى صحن الدار والليل بحاله والنجوم بحالها وجاء ثان وثالث فأدخلتهم وقلت‏:‏ في الليل‏!‏ فقالوا‏:‏ لا بد من ذلك فركبت فلم أصل إلى الجوسق إلا وأنا في موكب من الرسل فدخلت الدار فقبض الخادم على يدي فأدخلني إلى الموضع الذي كنت أصل إليه فوقفني وخرج خادم خاص من داخل فأخذ بيدي وقال لي‏:‏ يا أحمد إنك تكلم السيدة أم أمير المؤمنين فقف حيث توقف ولا تتكلم حتى تسأل فأدخلني في دار لطيفة فيها بيوت عليها ستور مسبلة وشمعة وسط الدار فوقفني على باب منها ووقفت لا أتكلم فصاح بي صائح‏:‏ يا أحمد قلت‏:‏ لبيك يا أم أمير المؤمنين ‏.‏

فقالت‏:‏ حساب ألف دينار بل حساب سبعمائة دينار وبكت فقلت في نفسي‏:‏ بلية العلوي أخذ المال ومضى ففتح دكاكين المعاملين وغيرهم فاشترى حوائجه وتحدث وكتب به أصحاب الأخبار وقد أمر المتوكل بقتلي وهذه تبكي رحمة لي ثم أمسكت عن الكلام وعادت فقالت‏:‏ يا أحمد حساب ألف دينار بل حساب سبعمائة دينار ثم بكت ‏.‏

فعلت ذلك ثلاث مرات ثم أمسكت وسألتني عن الحساب فصدقتها فلما بلغت إلى ذكر العلوي بكت وقالت‏:‏ يا أحمد جزاك الله خيرًا وجزى من في منزلك خيرًا تدري ما كان خيري الليلة فقلت‏:‏ لا قالت‏:‏ كنت نائمة في فراشي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي‏:‏ جزاك الله خيرًا وجزى أحمد بن الخطيب خيرًا وجزى من في منزله خيرًا فقد فرجتم في هذه الليلة عن ثلاثة من ولدي ما كان لهم شيء خذ هذا الحلي مع هذه الثياب وخذ هذه الدنانير فادفعها إلى العلوي وقل له‏:‏ نحن نصرف إليك كل ما جاءنا من هذه الناحية وخذ هذا الحلي وهذه الثياب وهذا المال فادفعه إلى زوجتك وقل‏:‏ يا مباركة جزاك الله خيرًا فهذه دلالتك وهذا خذه أنت يا أحمد لك ودفعت إلي مالًا وثيابًا وخرجت فحمل ذلك بين يدي فركبت منصرفًا إلى منزلي وكان طريقي على باب العلوي ‏.‏

فقلت‏:‏ أبدأ به إذ كان الله تعالى رزقنا هذا على يديه فدققت الباب فقيل لي‏:‏ من هذا فقلت‏:‏ أحمد بن الخصيب فخرج إلي فقال لي‏:‏ يا أحمد هات ما معك ‏.‏

فقلت‏:‏ بأبي أنت وأمي وما يدريك ما معي فقال لي‏:‏ انصرفت من عندك بما أخذته منك ولم يكن عندنا شيء فعدت إلى بنت عمي فعرفتها ودفعت إليها المال ففرحت وقالت‏:‏ ما أريد أن تشتري لنا شيئًا ولا آكل أنا شيئًا ولكن قم فصل أنت وادع حتى أؤمن على دعائك فقمت وصليت ودعوت وأمنت على دعائي ووضعت رأسي ونمت فرأيت جدي عليه السلام في النوم وهو يقول لي‏:‏ قد شكرتهم على ما كلن منهم إليك وهم باروك بشيء آخر فاقبله ‏.‏

قال‏:‏ فدفعت إليه ما كان معي وانصرفت إلى منزلي فإذا ربة البيت قلقة قائمة تصلي وتدعو فعرفت أني قد جئت معافى فخرجت إلي فسألتني عن خبري فحدثتها الحديث على وجهه ‏.‏

فقالت‏:‏ ألم أقل لك‏:‏ اتكل على جدهم فكيف رأيت ما فعل فدفعت إليها ما كان لها فأخذته ‏.‏

قال المصنف‏:‏ قد ذكرنا في سنة ست وثلاثين أن أم المتوكل حجت فشيعها المتوكل إلى النجف وفرقت مالًا كثيرًا وكانت امرأة وافرة السماح شديدة الرغبة في فعل الخير ‏.‏

توفيت شجاع بالجعفرية لست خلون من ربيع الآخر من هذه السنة وصلى عليها المنتصر ودفنت عند الجامع وخلفت من العين خمسة آلاف ألف دينار وخمسين ألف دينار ومن الجوهر أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب أخبرنا باي بن جعفر أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران أخبرنا محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثني عبد الله بن المعتز حدثني الحسن بن عليل العنزي قال‏:‏ حدثني بعض أصحابنا عن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قال‏:‏ دخلت على المتوكل لما توفيت أمه فعزيته فقال‏:‏ يا جعفر ربما قلت البيت الواحد فإذا جاوزته خلطت وقد قلت بيتًا‏:‏ تذكرت لما فرق الدهر بيننا فعزيت نفسي بالنبي محمد فأجازه بعض من حضر المجلس ‏.‏

وقلت لها‏:‏ إن المنايا سبيلنا فمن لم يمت في يومه مات في غد العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل بن كيسان أبو الفضل العنبري من أهل البصرة سمع يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وجالس أحمد بن حنبل روى عنه‏:‏ مسلم وأبو داود وكان ثقة مأمونًا توفي في هذه السنة

محمد بن حاتم بن سليمان سمع هشيم بن بشير وجرير بن عبد الحميد وغيرهما روى عنه‏:‏ أبو حاتم وأبو عيسى الترمذي وغيرهما ووثقه الدارقطني ‏.‏

محمد بن سليمان بن حبيب بن جبير أبو جعفر الأسدي المعروف بلوين سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وغيرهم روى عنه‏:‏ عبد الله بن أحمد والباغندي والبغوي في آخرين وآخر من روى عنه من البغداديين‏:‏ ابن صاعد ‏.‏

وفي سبب تلقيبه بلوين قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه لقب لقبته به أمه قاله محمد بن القاسم الأزدي ‏.‏

والثاني‏:‏ أنه كان يبيع الدواب فيقول‏:‏ هذا الفرس له لوين فلقب لوين ‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ ولوين من الثقات عند المحدثين إلا أن الإمام أحمد أنكر عليه أنه رفع حديثًا موقوفًا ولعل ذلك من سوء الحفظ ولا يظن به أنه قصد وعاش مائة وثلاث عشرة سنة ‏.‏

وتوفي بأدنة فحمل إلى المصيصة فدفن بها في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة خمس وأربعين ‏.‏

يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو يوسف المصري ولي قضاء بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم وقدم بغداد فحدث بها عن سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي روى عنه‏:‏ أبو بكر بن بي الدنيا وعبد الله بن أحمد وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ هو صدوق‏.‏

وتوفي ببلد فارس وهو يتولى القضاء عليه في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ قتل المتوكل وسيأتي ذكره وخلافة المنتصر بالله ‏.‏

 باب خلافة المنتصر بالله

واسمه محمد بن المتوكل وقيل‏:‏ اسمه الزبير وفي كنيته ثلاثة أقوال‏:‏ أبو جعفر وأبو عبد الله وأبو العباس ولد بسامراء في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين ومائتين وكان أعين وقصيرًا أفنى أسمر ضخم الهامة عظيم البطن جسيمًا مليح الوجه مهيبًا على عينه اليمنى أثر وقع أصابه وهو صغير وأمه أم ولد رومية يقال لها‏:‏ حبشية ‏.‏

بويع المنتصر بالله محمد بن جعفر بالخلافة في صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل أبوه وذلك يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال بالجعفرية وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل‏:‏ أربع وعشرين وكان أبوه ولاه العهد بعده فتقدم قبل أخوته المعتز والمؤيد وشاع بين الجند والناس ما جرى من قتل المتوكل فاجتمع الخلق وتكلموا في أمر البيعة فخرج إليهم بعض أصحاب المنتصر فأبلغهم عن المنتصر ما يحبون فأسمعوه فدخل إلى المنتصر فأبلغه فخرج بين يديه جماعة من المغاربة فصاح بهم‏:‏ يا كلاب خذوهم فحملوا على الناس فدفعوهم فمات جماعة وصالح المنتصر أخويه عن إرثهم من أبيهم على أربعة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم بذلك ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ خبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا علي بن أبي علي المعدل أخبرنا محمد بن العباس الخزاز قال‏:‏ أخبرنا محمد بن خلف المرزبان قال‏:‏ حدثني أحمد بن حبيب قال‏:‏ حدثني علي بن يحيى المنجم قال‏:‏ جلس المنتصر في مجلس كان أمر أن يفرش له وكان في بعض البسط دائرة كبيرة فيها مثال فرس وعليه راكب وعلى رأسه تاج وحول الدائرة كتابة بالفارسية فلما جلس المنتصر وجلس الندماء ووقف بين يديه وجوه الموالي والوقاد نظر إلى تلك الدائرة وإلى الكتابة التي حولها فقال لبغا‏:‏ إيش هذه الكتابة فقال‏:‏ لا أعلم يا سيدي فسأل من حضر من الندماء فلم يحسن أحد أن يقرأه فالتفت إلى وصيف وقال‏:‏ أحضر لي من يقرأ هذا الكتاب فأحضر رجلًا فقرأ الكتابة فقطب فقال له المنتصر‏:‏ ما هو فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بعض حماقات الفرس ‏.‏

قال‏:‏ أخبرني ما هو قال‏:‏ يا أمير المؤمنين ليس له معنى فألح عليه وغضب قال‏:‏ يقول‏:‏ أنا شيرويه بن كسرى بن هرمز قتلت أبي فلم أمتع بالملك إلا ستة أشهر فتغير وجه المنتصر وقام عن مجلسه إلى النساء فلم يملك إلا ستة أشهر ‏.‏

وفي ذي الحجة من هذه السنة أخرج المنتصر علي بن المعتصم من سامراء إلى بغداد ووكل به

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

جعفر المتوكل على الله كان السبب في قتله‏:‏ أنه أمر بإنشاء كتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وإقطاعها الفتح بن خاقان فكتب الكتب بذلك وصارت إلى خاتم على أن تنفذ يوم الخميس لخمس خلون من شوال فبلغ ذلك وصيفًا وكان المتوكل أراد أن يصلي بالناس آخر جمعة بقيت من رمضان فاجتمع الناس واحتشدوا وخرج بنو هاشم من بغداد لرفع القصص وتكليمه إذا ركب فلما أراد الركوب قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان‏:‏ يا أمير المؤمنين قد اجتمع الناس وكثروا فبعض متظلم وبعض طالب حاجة فإن رأيت أن تأمر بعض ولاة العهد بالصلاة فعلت فأمر المنتصر فلما نهض المنتصر ليركب قالا‏:‏ يا أمير المؤمنين قد رأينا أن تأمر المعتز بالله لتشرفه بذلك فقد اجتمع أهل بيته ‏.‏

فأمر المعتز فركب وأقام المنتصر في منزله فلما فرغ المعتز من خطبته قام عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه ثم رجع في الموكب فدخل على أبيه فقال داود بن محمد الطوسي‏:‏ قد والله رأيت الأمين والمأمون والمعتصم والواثق فما رأيت رجلًا على المنبر حسن قوامًا وبديهة من المعتز بالله ‏.‏

وخرج المتوكل يوم الفطر وقد ضرب له المصاف نحو من أربعة أميال وترجل الناس بين يديه فصلى ورجع فأخذ حفنة من تراب فوضعها على رأسه فقيل له في ذلك فقال‏:‏ إني رأيت كثرة هذا الجمع فأحببت أن أتواضع لله عز وجل ‏.‏

وأهدت إليه أم ولده ثوبًا فقطعه نصفين ورده إليها وقال‏:‏ أذكرتني به فوالله إن نفسي تحدثني أني لا البسه ولا أحب أن يلبسه أحد بعدي ولذلك شققته ثم جعل يقول لندمائه‏:‏ أنا والله مفارقكم عن قليل وكثر عبثه بابنه المنتصر تارة يشتمه وتارة يتهدده بالقتل والتفت إلى الفتح فقال‏:‏ برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تلطمه - بعني المنتصر - فقام إليه الفتح فلطمه لطمتين وقال‏:‏ اشهدوا أني قد خلعته ‏.‏

فانصرف على غضب فواعد الأتراك على قتل المتوكل إذا ثمل فما كانت إلا ساعة حتى دخل الأتراك عليه فقتلوه وقتلوا معه الفتح بن خاقان ‏.‏

وذلك ليلة الأربعاء وقيل‏:‏ ليلة الخميس بعد العتمة بساعة لأربع ليال خلون من شوال وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة اشهر وثلاثة أيام وهو ابن أربعين سنة ‏.‏

وقد حكى إبراهيم بن عرفة أن جارية من جواري المتوكل قالت‏:‏ أصابه هم وعرض له فكر فجلس وحده ثم قال‏:‏ جيئيني ببرنية فيها غالية فجئته بها فجعل يبندقها ويرمي بها ثم جلس يقرأ القرآن على الشراب فما شعر إلا وقد دخل عليه جماعة من القواد يتقدمهم غلام ابنه المنتصر الذي يسمى باغر فدنا منه فضربه وتتابع القواد بالضرب وألقى الفتح بن خاقان نفسه عليه فقتل معه وكان باغر قد قال للقواد‏:‏ إني أتقدمكم فإن خفتم على أنفسكم فقعوا علي فاقتلوني وقولوا‏:‏ دخل مكانًا لم يكن له دخوله ‏.‏

وذكر ابن عرفة أنه حضر مغنيًا فغناه فقال له أحمد بن أبي العلاء‏:‏ زعمت بثينة أن رحلتنا غدا لا مرحبًا بغد فقد أبكاني فتطير المتوكل من هذا وقال‏:‏ ويحك كيف وقع لك أن تغني بمثل هذا فذهب ليغنيه بغيره فأعاده فقالوا‏:‏ اصرفوا المهين ثم عاد فدعا المغني فغنى الصوت واغتم المتوكل وكان قد وصف له سيف لم ير مثله فابتاعه فاختار باغر فوهبه له فيقال‏:‏ إنه قتله به ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن الخطيب الحافظ قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن عمر الواعظ قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرني أبو أيوب جعفر بن أبي عثمان الطيالسي قال‏:‏ أخبرني بعض الزمازمة الذين يحفظون زمزم قال‏:‏ غارت زمزم ليلة من الليالي فأرخناها فجاءنا الخبر أنها الليلة التي قتل فيها المتوكل ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد النيسابوري قال‏:‏ حدثنا سعيد بن عثمان الحناط قال‏:‏ حدثنا علي بن إسماعيل قال‏:‏ رأيت جعفر المتوكل في النوم وهو في النور جالس قلت‏:‏ المتوكل فقال‏:‏ المتوكل قلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي ‏.‏

قلت‏:‏ بماذا قال‏:‏ بقليل من السنة أحييتها ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ أخبرنا محمد بن يوسف بن حمدان الهمذاني قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحسن بن يزيد الدقاق قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد الحارثي حدثنا عمر بن عبد الله الأسدي قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله أحمد بن العلاء قال‏:‏ قال لي عمرو بن شيبان الحلبي‏:‏ رأيت في الليلة التي قتل فيها المتوكل في النوم حين أخذت مضجعي كأن آتيًا أتاني فقال لي‏:‏ يا نائم الليل في أقطار جثماني أفض دموعك يا عمرو بن شيبان أما ترى الفتية الأرجاس ما فعلت بالهاشمي وبالفتح بن خاقان وافى إلى الله مظلومًا فضج له أهل السموات من مثنى ووحدان وسوف تأتيكم أخرى مسومة توقعوها لها شأن من الشان فابكوا على جعفر وابكوا خليفتكم فقد بكاه جميع الإنس والجان قال‏:‏ فأصبحت وإذا الناس يقولون إن جعفرًا قد قتل في هذه الليلة ‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ ثم رأيت المتوكل بعدها بأشهر كأنه بين يدي الله تعالى فقلت له‏:‏ ما فعل بك ربك قال‏:‏ غفر لي ‏.‏

قلت‏:‏ بماذا قال‏:‏ بقليل من السنة تمسكت بها ‏.‏

قلت‏:‏ فما تصنع ها هنا قال‏:‏ أنتظر ابني محمدًا أخاصمه إلى الله الحليم العظيم الكريم ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا ناصر بن المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ خبرنا محمد بن خلف قال‏:‏ أخبرني أبو العباس المروزي قال‏:‏ أخبرني بعض أهل الأدب أنه كان للمتوكل جارية يقال لها محبوبة وكانت من الجمال والإحسان على غاية ومن الغناء على غاية وكان المتوكل يجد بها وجدًا شديدًا وكانت له على مثل ذلك فلما كان من المتوكل ما كان ففرق الجواري إلى القواد فصارت محبوبة إلى وصيف وكان لباسها البياض الحسن وكانت تذكره فتشهق وتنتحب فجلس وصيف يومًا للشراب وجلس الجواري اللائي كن للمتوكل في الحلي والحلل وجاءت محبوبة في معجر أبيض فقال وصيف‏:‏ غنين فما بقيت واحدة منهن إلا غنت وطربت وضحكت إلى أن أومأ إلى محبوبة بالغناء فقالت‏:‏ إن رأى الأمير أن يعفيني فأبى فقلن لها الجواري‏:‏ لو كان في الحزن فرج لحزنا معك وجيء بعود فوضع في حجرها فسوته وأنشأت تقول‏:‏ أي عيش يطيب لي لا أرى فيه جعفرا ملك قد رأته عيني جريحًا معفرا كل من كان سالمًا وسقيمًا فقد برا غير محبوبة التي لو ترى الموت يشترا لاشترته بما حوته جميعًا لتقبرا فاشتد ذلك على وصيف فأمر بإخراجها فصارت إلى قبيحة فلما كان بعد هنية سأل عنها وصيف فقيل له‏:‏ صارت إلى قبيحة فبعث إليها فقالت‏:‏ تمسحت ومضت فوالله ما أدري إلام الحسن بن الجنيد بن أبي جعفر البلخي بلخي الأصل حدث عن وكيع وغيره روى عنه ابن أبي الدنيا ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن محمد بن إسحاق أبو عبد الرحمن الأذرمي سمع سفيان بن عيينة وغندر وهشيم بن بشير وإسماعيل بن علية وغيرهم روى عنه‏:‏ أبو حاتم الرازي وقال‏:‏ كان ثقة وأبو داود السجستاني وابنه وابن صاعد وغيرهم ‏.‏

وقد كان الواثق استحضر رجلًا من أهل أدنة للمحنة فناظر ابن أبي دؤاد بحضرته فظهر على ابن أبي دؤاد فيقال‏:‏ إنه هذا الرجل ‏.‏

وقد رويت لنا هذه القصة مختصرة ومطولة فأما المختصرة‏:‏ فأخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الفرج بن علي البزار قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن موسى قال‏:‏ حدثنا جعفر بن شعيب قال‏:‏ حدثنا محمد بن يوسف الشاسي قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن منبه قال‏:‏ سمعت طاهر بن خلف يقول‏:‏ سمعت المهتدي بالله ابن الواثق يقول‏:‏ كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلًا أحضرنا ذلك المجلس فأتي بشيخ مخضوب مقيد فقال أبي‏:‏ ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه يعني ابن أبي دؤاد فأدخل الشيخ فقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ‏.‏

فقال‏:‏ لا سلام الله عليك ‏.‏

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بئس ما أدبك به مؤدبك قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها ‏.‏

فقال ابن أبي دؤاد‏:‏ يا أمير المؤمنين الرجل متكلم فقال له كلمة ‏.‏

فقال له‏:‏ يا شيخ ما تقول في القرآن ‏.‏

فقال له الشيخ‏:‏ لم تنصفني - يعني ولني السؤال - فقال‏:‏ قل فقال له الشيخ‏:‏ ما تقول في القرآن فقال‏:‏ مخلوق ‏.‏

فقال‏:‏ هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه فقال‏:‏ شيء لم يعلموه ‏.‏

فقال‏:‏ سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت‏!‏ قال‏:‏ فخجل فقال‏:‏ أقلني ‏.‏

فقلت والمسألة بحالها ‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏.‏

قلت‏:‏ ما تقول في القرآن فقال‏:‏ مخلوق‏.‏

قال‏:‏ هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه فقال‏:‏ شيء علموه ولم يدعوا الناس إليه فقال‏:‏ أفلا وسعك ما وسعهم قال‏:‏ ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول‏:‏ هذا شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت سبحان الله شيء علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم ثم دعى عمار الحاجب وأمر أن ترفع عنه القيود وأن يعطى أربعمائة دينار ويؤذن له في الرجوع وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدًا ‏.‏

وأما القصة المطولة‏:‏ فأخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سندي الحداد قال‏:‏ قرئ على أحمد بن الممتنع وأنا أسمع قيل له‏:‏ أخبركم صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشمي قال‏:‏ حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جلس للنظر في أمور المتظلمين في دار العامة فنظرت في بعض قصص الناس تقرأ عليه من أولها إلى آخرها فيأمر بالتوقيع فيها وينشأ الكتاب عليها ويحرر ويختم وتدفع إلى صاحبها بين يديه فسرني ذلك واستحسنت ما رأيت فجعلت أنظر إليه ففطن ونظر إلي فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مرارًا ثلاثة إذا نظر إلي غضضت وإذا شغل نظرت فقال لي‏:‏ يا صالح قلت‏:‏ لبيك يا أمير المؤمنين وقمت قائمًا ‏.‏

فقال‏:‏ في نفسك مني شيء تريد أن تقوله قلت‏:‏ نعم يا سيدي فقال لي‏:‏ عد إلى موضعك فعدت وعاد إلى النظر حتى إذا قام قال للحاجب‏:‏ لا يبرح صالح وانصرف الناس ثم أذن لي وأهمتني نفسي فدخلت فدعوت له فقال‏:‏ اجلس فجلست فقال لي‏:‏ يا صالح تقول لي ما دار في نفسك وأقول أنا ما دار في نفسي قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما تعزم عليه وتأمر به فقال‏:‏ أقول أنا إنه دار في نفسي أنك استحسنت ما رأيت منا فقلت‏:‏ أي خليفة خليفتنا إن لم يكن يقول إن القرآن مخلوق فورد على قلبي مر عظيم ثم قلت‏:‏ يا نفس هل تموتين قبل أجلك وهل تموتين إلا مرة وهل يجوز الكذب في جد أو هزل فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما دار في نفسي إلا ما قلت ‏.‏

فأطرق مليًا ثم قال‏:‏ ويحك اسمع مني ما أقول فوالله لتسمعن الحق فسري عني ‏.‏

ثم قلت‏:‏ يا سيدي ومن أولى بقول الحق منك وأنت خليفة رب العالمين وابن عم سيد المرسلين فقال‏:‏ ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدرًا من أيام الواثق حتى أقدم أحمد بن أبي دؤاد علينا شيخًا من أهل الشام من أهل أدنة فأدخل الشيخ على الواثق مقيدًا وهو جميل الوجه تام القامة حسن الشيبة فرأيت الواثق قد استحيى منه ورق له فما زال يدينه ويقربه حتى قرب منه فسلم الشيخ فأحسن ودعا فأبلغ وأوجز فقال له الواثق‏:‏ اجلس ‏.‏

فجلس فقال له‏:‏ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه ‏.‏

فقال له الشيخ‏:‏ يا أمير المؤمنين ابن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن المناظرة ‏.‏

فغضب الواثق وعاد إلى مكان الرقة له غضبًا عليه وقال‏:‏ أبو عبد الله بن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن مناظرتك أنت‏!‏ فقال الشيخ‏:‏ هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك وأذن في مناظرته‏.‏

فقال الواثق‏:‏ ما دعوتك إلا للمناظرة ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول قال‏:‏ أفعل قال الشيخ‏:‏ يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملًا حتى يقال فيه بما قلت ‏.‏

قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال الشيخ‏:‏ يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله إلى عباده هل ستر رسول الله شيئًا مما أمره الله به في أمر دينهم فقال‏:‏ لا ‏.‏

قال الشيخ‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه فسكت أحمد بن أبي دؤاد

فقال الشيخ‏:‏ تكلم ‏.‏

فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين واحدة فقال الواثق‏:‏ واحدة ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ يا أحمد أخبرني عن الله تعالى حين أنزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا‏}‏ هل كان الله الصادق في إكمال دينه وأنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك فيتم فسكت ابن أبي دؤاد ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ أجب يا أحمد ‏.‏

فلم يجب فقال للشيخ‏:‏ يا أمير المؤمنين اثنتان ‏.‏

فقال الواثق‏:‏ نعم اثنتان ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها قال ابن أبي دؤاد‏:‏ علمها ‏.‏

قال‏:‏ فدعا الناس إليها فسكت ‏.‏

قال الشيخ‏:‏ يا أمير المؤمنين ثلاث ‏.‏

فقال الواثق‏:‏ ثلاث ‏.‏

قال الشيخ‏:‏ يا أحمد فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن علمها وسكت عنها كما زعمت ولم يطالب أمته بها قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال الشيخ‏:‏ أو اتسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله عنهم قال ابن أبي دؤاد‏:‏ نعم ‏.‏

فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين قد قدمت القول بأن أحمد يصبو ويضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لنا الإمساك عن هذه المقالة كما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلا وسع الله علينا اقطعوا قيد الشيخ ‏.‏

فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه فجاذبه الحداد عليه فقال الواثق‏:‏ دع الشيخ يأخذه ‏.‏

فأخذه فوضعه في كمه ‏.‏

فقال له الواثق‏:‏ يا شيخ لم جاذبت الحداد عليه قال‏:‏ لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله يوم القيامة وأقول‏:‏ يا رب سل عبدك هذا لم قيدني‏!‏ وروع أهلي وولدي وإخواني من غير شيء أوجب ذلك علي وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله فقال له الشيخ‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة من أول يوم إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلًا من أهله ‏.‏

فقال الواثق‏:‏ لي إليك حاجة ‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ إن كانت ممكنة فعلت فقال‏:‏ تقيم قبلنا فننتفع بك وينتفع بك فتياننا فقال الشيخ‏:‏ يا أمير المؤمنين إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك وأخبرك بما في ذلك‏:‏ أصير إلى أهلي وولدي وأكف دعاءهم عليك فقد خلفتهم على ذلك‏.‏

فقال له الواثق‏:‏ فتقبل منا صلة تستعين بها على رجوعك ودهرك فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين لا تحل لي أنا عنها غني وذو مرة سوي ‏.‏

فقال‏:‏ سل حاجة ‏.‏

قال‏:‏ أوتقضيها قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ فأذن لي أن يخلى سبيلي الساعة إلى الثغر ‏.‏

قال‏:‏ إني قد أذنت لك فسلم وانصرف قال صالح بن علي قال المهتدي‏:‏ فرجعت عن هذه المقالة وأظن أن الواثق قد كان رجع عنها منذ ذلك الوقت ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن علي بن حمويه قال‏:‏ سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ يحدث الشيخ الأدني ومناظرته مع ابن أبي دؤاد بحضرة الواثق فقال‏:‏ الشيخ هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدرمي عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد أبو الفضل الأسدي الرقي سمع أباه روى عنه أبو عروبة الحراني وكان قاضي الرقة ولي القضاء ببغداد في أيام المتوكل وكان عفيفًا فصرفه يحيى بن أكثم فبعث المتوكل عهدًا إلى بغداد ولم يسم القاضي وقال‏:‏ إن وسئل الإمام أحمد عن الوابصي فأحسن القول فيه وقال‏:‏ ما بلغني عنه إلا خير توفي في هذه السنة بالرقة وقيل‏:‏ في سنة تسع والله أعلم‏.‏